تعد عملية انتقال البيانات عبر شبكة الإنترنت من أهم الركائز التي يعتمد عليها عالمنا الرقمي الحديث، فبفضل هذه العملية يمكننا التواصل، تبادل المعلومات والعمل عن بعد بسهولة وسرعة، لكن وراء تلك البساطة الظاهرة وهذه السرعة الفائقة قصة مشوقة تستحق أن تُروى، تخفي في أعماقها رحلة معقدة تبدأ من أجهزتنا الإلكترونية وتنتهي عند سيرفر ما أو جهاز آخر في الجانب الآخر من العالم.
يهدف هذا المقال إلى إزالة الغموض وإنهاء الصراع الأزلي بين عالم الشبكات المتشابك والطلاب المهتمين بعالم الأمن السيبراني بشكل خاص، من خلال رؤية جديدة ومختلفة لنموذج الاتصال عبر الشبكة الشهير TCP/IP والذي يشكل أساساً قوياً وفعالاً لمعظم الإتصالات عبر شبكة الإنترنت الواسعة!
بداية الرحلة:
Alice، الموظفة المجتهدة، تعمل في شركة متواضعة تقدم خدمات معينة، الشركة عبارة عن بناء بسيط مؤلف من ثلاثة طوابق وكل طابق مسؤول عن قسم محدد من المهام، يقع مكتب صديقتنا Alice في الدور الثالث (الطابق الأخير في مبنى الشركة).
بينما كانت صديقتنا منشغلة بتأدية مهامها، تلقت اتصالاً مباغتاً من إحدى صديقاتها لتخبرها أنه لم يتبق سوى وقت قليل جداً على انتهاء التسجيل والتقدم بطلب للحصول على جواز سفر والذي لطالما انتظرت الحصول عليه طويلاً لكن انشغالها بعملها منعها من التقدم ومتابعة هذا الأمر.
– ماذا أفعل؟! التسجيل سينتهي اليوم ولا أستطيع ترك عملي، لا يمكنني أيضاً تجاهل تقديم طلب الحصول على جواز سفر جديد..
الطابق الثالث <=> طبقة التطبيقات (Application Layer)
بعد تفكير مطوّل، قررت Alice طلب المساعدة من موظف الدعم الذي يعمل معها في نفس الطابق يدعى Http:
– Alice: مرحباً Http هل يمكنك الذهاب إلى مبنى الهجرة والجوازات والتقدم بطلب الحصول على جواز سفر جديد نيابة عني؟، لا أستطيع الذهاب بسبب انشغالي بالعمل.
+ Http: نعم، يمكنني المساعدة.
– Alice: شكراً جزيلاً، إليك جميع أوراقي ومعلوماتي قمت بوضعها بهذا المصنف، لكن انتبه لا تقل لأحد أنك تحمل مصنفاً وإنما Data.
+ Http: حسناً، فهمت.
ولأن مبنى الشركة متواضع فلم يكن هناك مصعد مما دفع Http المسكين إلى استخدام السلم..
الطابق الثاني <=> طبقة النقل (Transport Layer)
عندما وصل Http إلى الطابق الثاني قابل رئيس قسم الاتصالات الصادرة والواردة من وإلى الشركة والذي يدعى TCP:
– TCP: أهلاً Http، إلى أين أنت ذاهب؟!.
+ Http: أهلاً، يجب علي توصيل ال Data الخاصة ب Alice إلى مبنى الهجرة والجوازات.
– TCP: حسناً، قبل أن تذهب يجب أن تعرف أن رقم الغرفة التي يجب عليك تقديم طلب Alice من خلالها هو 80، أيضاً سأقوم باتصال صغير (SYN,SYN-ACK,ACK) لأتأكد من أنه يوجد أحد من أصدقائي الموظفين في الطابق الثاني في ذلك المبنى جاهز لاستقبالك.
+ Http: شكراً لك، سأذهب الآن.
– TCP: انتظر لحظة، لا يمكنك أخذ جميع هذه ال Data معك، قم بنقلها على مراحل لأتأكد من أنها ستصل بشكل سليم ولا تقل لأحد أنك تحمل Data، بل Segments.
+ Http: اتفقنا.
غادر Http الطابق الثاني متجهاً نحو الطابق الأول، من ينتظره هناك يا تُرى؟
الطابق الأول <=> طبقة الإنترنت (Internet Layer)
كان بانتظاره مدير عمليات توجيه الطلبات الصادرة والواردة من وإلى الشركة السيد IP:
– IP: هذا أنت Http، ما كل هذا الذي تحمله؟ ما هي وجهتك؟!
+ Http: يتوجب عليّ توصيل هذه ال Segments الخاصة ب Alice إلى مبنى الهجرة والجوازات في أسرع وقت.
– IP: فهمت، لحسن الحظ أننا التقينا لأنني واثق أنك لا تعرف عنوان مبنى الهجرة والجوازات.
+ Http: أنت محق، أنا حقاً لا أعرف عنوان المبنى، إن هذه ال Segments التي أحملها ثقيلة وهي التي منعتني من تذكر هذا الأمر.
– IP: لا تقلق، لديّ الحل، يمكنك ترك بعض منها عندي لتخفف حملك خاصة أن الطابق الذي في الأسفل لن يتمكن من تحمل رؤيتك مع كل هذه الحمولة، تفضل، هذا هو عنوان مبنى الهجرة والجوازات، أنت الآن أصبحت تحمل Packets نيابة عن Segments، تذكر هذه النقطة جيداً.
+ Http: شكراً جزيلاً لك.
تابع Http طريقه إلى الطابق الأرضي وهو يتساءل متى ستنتهي هذه الطوابق ويخرج من هذه الشركة بسرعة؟
الطابق الأرضي <=> طبقة الربط (Link Layer)
عندما وصل Http أخيراً إلى الطابق الأرضي، كان في استقباله رئيس قسم عمليات الربط في الشركة والذي يدعى Ethernet:
– Ethernet: أهلاً Http، في الحقيقة لقد تعرفت عليك بصعوبة.
+ Http: أنت محق حتى أنا لم أعد أعرف نفسي.
– Ethernet: علمت أنك ذاهب إلى مبنى الهجرة والجوازات، قمت بتجهيز هذا العنوان لك (MAC Address)، أعلم أنك تعرف عنوان المبنى ولكن عندما تصل إلى مبنى الهجرة والجوازات قم بإعطائهم هذا العنوان لزيادة التأكد من أنك وصلت إلى المبنى الصحيح، لا تقل أنك تحمل Packets وإنما أصبحت تحمل Frames.
+ Http: فهمت ما تعنيه جيداً، شكراً لك.
قام Ethernet بتوصيل Http إلى باب الخروج من الشركة وسط فرحة عارمة شعر بها Http، حيث كان السائق بانتظاره.
رحلة السائق و Http في البحث عن المبنى الهدف
– السائق: أهلاً Http، ماهي وجهتك؟
+ Http: أريد الذهاب إلى مبنى الهجرة والجوازات، لكن من فضلك أريد أن أصل بسرعة.
– السائق: في الحقيقة، أنا لا أعرف طريق الذهاب إلى ذلك المبنى بشكل مباشر، لكن لا تقلق سنتوقف أثناء رحلتنا في بعض المحطات ونطلب منهم مساعدتنا في الوصول إلى المبنى المقصود.
خلال رحلتهما توقفا في عدة محطات لطلب المساعدة في الحصول على الطريق الصحيح، حتى وصلا أخيراً إلى المبنى المنشود.
وصول Http إلى مبنى الهجرة والجوازات
فور دخول Http إلى المبنى، استقبله Ethernet في الطابق الأرضي وطلب منه ال Frames الذي يحملهم، ثم أخذ منه المعلومات اللازمة وقال له مرحباً بك لقد وصلت إلى المكان الصحيح، اصعد إلى الطابق الأول لاستكمال معالجة طلبك، في الطابق الأول قام بتسليم ال Packets إلى السيد IP، أيضاً تم أخذ المعلومات والقيام بالإجراءات اللازمة، ثم صعد بعدها إلى الطابق الثاني وقام بتسليمهم ال Segments التي يحملها واستدل على مكان الغرفة رقم 80 للبدء بإجراءات تقديم الطلب الخاص ب Alice، انتقل بعدها إلى الطابق الأخير وقام بتسليم ال Data المطلوبة لعملية التسجيل وهناك تم إخباره أنه وصل في الوقت المناسب وأن استقبال الطلبات الجديدة قد انتهى.
– قم بإخبار Alice أن عملية التسجيل على جواز السفر الجديد قد تمت بنجاح من دون أي أخطاء.
انتابت Http مشاعر متقلبة بين فرح وحزن؛ فرح لأنه قام بتأدية المهمة التي طُلبت منه على أكمل وجه وحزن لأنه سيعود ليخوض رحلة العودة بنفس تفاصيل الرحلة الأولى من أجل أن يخبر Alice أنه نجح بالمهمة.
الخاتمة: أهمية الطبقات في نقل البيانات
بدت لنا رحلة Http وكأنها مغامرة شيّقة عبر مبنى من الطوابق المترابطة، ولكنها في الحقيقة تُجسّد تعقيد وبراعة عمليات نقل البيانات عبر شبكة الإنترنت، فكل خطوة، وكل طبقة، تلعب دوراً حيوياً لضمان وصول المعلومات بشكل آمن وموثوق، مما يُظهر مدى تناغم وتكامل هذه الأنظمة التي نستخدمها يومياً دون أن ندرك تعقيداتها.
إذاً، في كل مرة تتصفح فيها الإنترنت أو تقوم بإرسال طلب ما، تذكر أن هناك خلف الكواليس رحلة معقدة تجري في الخفاء، يقودها بطل مثل Http ليصل بك إلى وجهتك الرقمية، إنها رحلة خفية لكنها أساسية، تربط العالم الرقمي بأسره وتؤكد لنا أن البساطة التي نراها أمامنا ما هي إلا ثمرة نظام مُتقن يعمل بلا توقف.